هديّة أم رشوة؟

 Un Cadeau  Ou Un Pot-De-Vin?

من مسرحية حسناء من كوالا لمبور

للكاتب عبد الله خمّار

 

تمهيد للنص:

تستقبل "أسماء" مديرة الاستثمارات في مؤسسة "الهلال الفضي" رجل الأعمال السيد محمود الجابي لتبحث معه المشروع المرشح لتمويل المؤسسة إذا اقتنعت به ووافقت عليه:

[تنار الأضواء من جديد. تدخل السكرتيرة ويدخل معها السيد محمود الجابي وهو كهل في أوائل الخمسينات، طويل القامة ممتلئ الجسم، يرتدي ثوبا طويلا أبيض اللون ويضع على رأسه طاقية بيضاء. ويرتدي جوارب بيضاء وينتعل حذاء أسود. له لحية كثيفة جدا مصبوغة بالحناء تغطي وجهه المستدير. يحمل بيده باقة ورد حمراء ومحفظة جلدية سوداء يضعها على الطاولة ويفتحها ويخرج منها علبة "شوكولاتة" فاخرة يضعها على الطرابيزة، وتقوده السكرتيرة إلى الكنبة. يمشي باتزان، ويتكلم بالفصحى وببطء ويستشهد بالآيات والأحاديث].

السكرتيرة: تفضل ياسيدي. الآنسة أسماء ستصل بعد قليل.

الجابي[يظل واقفا ويسأل السكرتيرة]: متى تعلن المؤسسة عن المشاريع التي تتبناها؟

السكرتيرة: بعد أن تقدم المديرة تقريرها للمؤسسة وينتهي التحقيق.

الجابي: التحقيق! أي تحقيق؟

السكرتيرة: التحقيق في سمعة أصحاب المشاريع في السوق، ولن يقبل ملف من كان سيء السمعة.

الجابي: الحمد لله. طمأنتني، لن يقبل ملفا شاكر والسفطي إذاً!

السكرتيرة: الله أعلم.

الجابي: أخبريني هل المديرة إنسانة مستقيمة؟

السكرتيرة: طبعا وإلا ما وثقت فيها المؤسسة.

الجابي[يفرك كفيه]: ما شاء الله، وأنا أحب الاستقامة.

[تدخل أسماء إلى المكتب من داخل الشقة وتتجه إلى الجابي فينبهر بحسنها ويقدم لها الورد  تأتي السكرتيرة فتتناول الباقة ويتناول علبة الشوكولاطة ويقدمها لها]

أسماء[تتناول العلبة وتمدّ يدها لتصافحه]: أهلا وسهلا. لماذا أتعبت نفسك؟

الجابي[يرفع يده مترددا لحظة ثم يمدها مصافحا]: اعذريني يا آنسة فأنا عادة لا أصافح النساء خوفا من الفتنة، لكنك إنسانة طيبة ونيتك سليمة. المهم النية، لذلك أتشرف بمصافحتك. [يبقي يدها في يده ثم يضع يده الأخرى على يدها]

أسماء[بغضب]: اترك يدي من فضلك. [يطلق يدها وتتابع بجد]: اطلعت على مشروعك. مركب لصناعة قطع السيارات الرائجة في الجزائر. تصنيع القطع الهامة واستيراد التكنولوجيا. القيمة 50 مليون أورو.

الجابي: نعم. في الحقيقة ما ينقص عمالنا اليوم هو الاختصاص. وهذا المشروع يعتمد على استيراد التكنولوجيا لتكوين عمال فنيين.

أسماء: من أين تستورد قطع تبديل السيارات؟

الجابي: من الخارج طبعا.

أسماء: من أي بلد؟ من أي شركة؟ من فرنسا مثلا؟

الجابي: أعوذ بالله أنا لا أتعامل مع فرنسا المستعمرة.

أسماء: تستورد من أمريكا؟

الجابي: لا، لا، أمريكا تؤيد الصهيونية.

أسماء: من أين تستورد إذا؟

الجابي: في الحقيقة أنا أحرص ألا يكون مكتوبا على قطع التبديل بلد المنشأ.

أسماء: لماذا؟

الجابي: حتى لا يعرف التجار المنافسون مصدرها فيتهافتون على استيرادها.

أسماء: يقال إن قطع التبديل التي تستوردها تسبب الحوادث المميتة.

الجابي: أستغفر الله العظيم. لا تصدقي هذه الافتراءات. الأعمار بيد الله ولا يموت الإنسان إلا إذا حل أجله. قال تعالى: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". صدق الله العظيم.

أسماء: صدق الله العظيم. هل لك أنشطة إنسانية؟ تبرعات للجمعيات الخيرية مثلا.

الجابي: طبعا، طبعا. أنا أدفع الزكاة كل سنة في وقتها.

أسماء: كم دفعت هذه السنة؟

الجابي: لا أدري، لأن شمالي لا يجب أن تعرف ما دفعته يميني.

أسماء[تهز رأسها]: تفضل بالجلوس.

الجابي: شكرا لك. [يجلس على يمين الكنبة وتجلس على اليسار]: كيف تتحركين في العاصمة يا ابنتي.

أسماء: أتحرك بسيارة المؤسسة.

الجابي[يقف فتقف معه]: لا، لا. أنت بحاجة إلى سيارة خاصة بك. يامحاسن الصدف! هل تعلمين أني اشتريت سيارة صغيرة واكتشفت أنها لا تناسبني ولا تتسع للأولاد. السيارة الصغيرة تناسبك. أعطيني اسمك وكافة البيانات لأبدأ بنقل الملكية.

أسماء: أوراقي ليست جاهزة الآن.

الجابي: سأكتب الاسم الآن وآخذ بقية البيانات من أجل إخراج البطاقة الرمادية بعد الحصول على المشروع مباشرة.

أسماء: أليست هذه رشوة؟

الجابي: أعوذ بالله. الرشوة تكون قبل تحقيق المشروع أما بعده فهي هدية. قال النبي عليه الصلاة والسلام: "تهادوا تحابوا".

أسماء: لكنها هدية مشروطة بالمشروع.

الجابي: لابد أن يكون لأي هدية مناسبة. والحصول على المشروع مناسبة عظيمة بالنسبة إلي تستحق المكافأة.

 [يتوجه الجابي إلى باب الخروج فتسير أسماء معه. يتوقف]

الجابي[بلهجة جدية]: الساكت عن الحق شيطان أخرس. يجب أن تعرف المؤسسة ما يحدث فالدين النصيحة.

أسماء: طبعا. ولكن ماذا تعني؟

الجابي: هل سمعت بحوادث التسمم التي تحدث في المدن الجامعية وفي الأعراس والحفلات؟

أسماء: قرأت مثل هذا في الصحف.

الجابي[هامسا]: اعلمي إذن أن السيد عبد الكريم السفطي هو سبب حوادث التسمم.

أسماء: لا أسمع. ارفع صوتك. [يعيد الجابي ما قاله بصوت عال. فتسأله]: لماذا ؟

الجابي[هامسا]: لأنه متعهد توريد الأغذية إلى بعض المدن الجامعية والأعراس.

أسماء: ارفع صوتك. ممّ تخاف؟ [يعيد الجابي ما قاله بصوت عال]

الجابي[بصوت مرتفع]: وهل تعلمين أن السيد سلمان شاكر مستورد الأدوية يوزع أدوية انتهت صلاحيتها؟

أسماء[تبدي دهشتها]: غير معقول.

الجابي: وأزيدك أيضا أنه ملحد لا يؤمن بالله ويشرب الخمر والعياذ بالله.

أسماء: استغفر الله.

الجابي: وهو غشاش. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"

أسماء: صدق رسول الله. أرجو أن تساعد المؤسسة وتكتب هذه المعلومات في رسالة مغلقة واكتب عليها "سري للغاية". ضعها عند السكرتيرة وسأرسلها إلى المؤسسة.

الجابي[بخبث]: ولن يعرف أحد أني أخبرتك؟

أسماء: طبعا.

الجابي: سأفعل إن شاء الله. بإذنك [يخرج].

  الفصل الثاني- المشهد السادس

الأسئلة:

1-     لماذا يريد الجابي أن يهدي أسماء سيارته الصغيرة؟ وماذا كان جواب أسماء؟

2-     ما الفرق بين الهدية والرشوة في نظر الجابي؟ وما الفرق بينهما في نظرك؟

3-     متى تكون الهدية رشوة مبطنة؟ هات أمثلة من الواقع.

4-     بيّن موقف الدين والقانون من الرشوة وبواعث هذا الموقف.

5-     بمَ علل الجابي حرصه على أن تكون قطع التبديل التي يستوردها مجهولة المنشأ؟ وهل اقتنعت بتعليله؟ إن كان الجواب بالنفي، ما سبب حرصه في نظرك؟

6-     هل تعتقد أن الجابي يقوم بأنشطة إنسانية؟ علل رأيك.

7-     ما الأنشطة الإنسانية التي يجب أن يقوم بها رجال الأعمال في المجتمع؟ ولماذا كان من واجبهم القيام بذلك؟ وهل يقوم رجال الأعمال في بلدك أو منطقتك بمثل هذه الأعمال؟ إن كان الجواب بالإيجاب هات أمثلة حية من هذه الأنشطة.

8-     بمَ اتهم الجابي رجليْ الأعمال "شاكر والسفطي"؟ وهل كان فعلا يريد نصيحة المؤسسة أم أن له هدفاً آخر؟ وضح رأيك وعلله.

9-     ما الفرق بين المتدين الحقيقي والمتستر بالدين في نظرك؟

10-                    ما صفات الجابي التي تستخلصها من هذا النص؟

لقراءة الفصل الثاني كاملا، انقر هنا: الفصل الثاني

للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: حسناء من كوالا لمبور

للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات